في إطار اللقاءات الثقافية الشهرية التي تنظمها جمعية آفاق الثقافية بأصيلا خلال هذا الموسم الثقافي تحت شعار "كتاب الشهر"، قدم الدكتور أبو الخير الناصري قراءة في كتاب "سيرة حمار" للأديب والمفكر المغربي حسن أوريد، وذلك بمقر الجمعية مساء يوم السبت 23 من ديسمبر 2017م.
افتتح الدكتور أبو الخير كلمته بالإشارة إلى رواية "الحمار الذهبي" لأفولاي، فقدم ملخصا لأهم أحداثها، وأعقبه بملخص لأهم أحداث "سيرة حمار" لأوريد، مبيناً أوجه التشابه بين العملين، خصوصاً استحالة بَطَلي العملين حماريْن بسبب أعمال السحر، ثم رجوعهما سيرتهما الأولى بعد رحلة من العذاب.
وقد ابتدأ المحاضر بالموازنة بين العملين الأدبيين ليؤسس على ذلك حكمه في تجنيس كتاب "سيرة حمار"، نافيا أن يكون هذا العمل رواية، وذلك بالاستناد إلى قرائن من أهمها استعارةُ حسن أوريد بناء رواية "الحمار الذهبي" ومَلْأهُ إياه بأحداث سيرة أذربال، مع التشابه بين عدد من الأحداث المهمة في العملين. وخلص د.أبو الخير من ذلك للقول "إن الكتاب سيرة من السير، أو فلنقلْ إرضاءً لمن يُصرون على إدراجه ضمن الرواية إنه رواية مقتبسَة لا مؤلَّفة، وفرقٌ بين التأليف والاقتباس".
وأضاف المحاضر أن الهمَّ الرئيس للمؤلف في "سيرة حمار" هو هَمّ فكري، وتحدث في واحدة من أهم القضايا الفكرية في الكتاب – في رأيه – هي نقد السلطة والمثقفين.
وقد أبرز المتدخل تجلياتٍ لنقد السلطة في "سيرة حمار" بتحليله لنماذجَ من كلام أذربال في مواقفَ وأحداثٍ مختلفة في الكتاب، بيَّنَ من خلالها تركيزَ المؤلف أوريد – بواسطة أذربال – على بيان مغالطات الخطاب السلطوي، وحِيَله، وألاعيبه، وبيان اهتمام رجال السلطة بما يَشغل الشعب عن الاشتغال بأهم أمور حياته (كالتعليم، والصحة، والعدل، والتشغيل)، وسلوكهم سياسة الإلهاء تُجاه الناس، كشغلهم بألعاب السيرك التي يعدها الساسة "جزءاً من تدبير الشأن العام" (سيرة حمار، ص86).
إلى ذلك اهتم المحاضر بإبراز ملامحَ من انتقاد المثقفين في الكتاب، مركزاً على المثقفين الذين يسيرون في ركب السلطة، ويتنازلون عن شخصياتهم المستقلة من أجل خدمة الساسة وطاعتهم طاعة عمياء. وتوقف د.أبو الخير في هذا الجانب عند ما جاء من نقدٍ لبعض المثقفين على لسان أذربال كانتقاده لشخصٍ ألقى كلمة تأبينية في جنازة أذربال دون أن يكون على معرفة به، وهو شخصٌ تابعٌ لحاكم المدينة، وبيَّنَ المحاضر بعض أنواع النقد الموجه لهذا الصنف من المثقفين التابعين للحكام من بينها أن أوريد لم يُسَمِّ هذا الشخص المؤبِّن لأذربال داخل النص "وأن في عدم تسميته إشارة إلى أنه غيرُ ذي شأن، فكأنه إذ قَبِلَ أن يتنازل عن شخصيته ويُذيبَها في شخصية حاكم المدينة فقد استحق أن يجعله المؤلف فاقداً للتسمية؛ لأن فاقد الشخصية هو ظلٌّ من الظلال، ومتى كانت للظلال أسماء؟".
وخلص الدكتور في نهاية قراءته إلى أن هذا الكتاب "سيرة جماعية لمفكرين ومثقفين فضلوا بريق السلطة على محبة الحكمة، وأن السعيَ المتواصل لأذربال قصد استرداد إنسانيته ومعاناتَه في سبيل ذلك هو رسالةُ تنبيهٍ لأولئك المفكرين والمثقفين كي يعودوا لممارسة دورهم الحق المتمثل في محبة الحقيقة والانتصار لها".